مسااء الحب ..
لحب يؤلمنا لكي يعلّمنا....
الحب يؤلم ويعذّب قلب كل حبيب وعاشق....
لأنه يشق الطريق إلى السعادة والفرح الفائق...
الحب يؤلم ويوجّع لأنه يُغيّر الحال ويقطع الأوصال...
إنه طفرة خطيرة لم تكن أبداً في الحُسبان والبال...
وكل تحويل فيه ألم كبير مثل ألم القتيل...
لأنك تتركُ القديم من أجل الجديد المستحيل...
والقديم آمن ومألوف وأليف... الجديد رهيب ومجهول ومخيف...
سيجعلك هذا تُبحر في محيط شاسع دون خريطة ودون تجديف...
في هذا الضّياع لن تستطيع استخدام فكرك أو الدماغ... الجديد يطلب منك الوَعي واليقظة، لا الحفظ والتفكير....
أما القديم يكفيه الفكر الفقير، والفكر أصلاً لا يمكنه أن يعمل إلا في الأشياء الماضية الميتة الهامدة... ولهذا يأتي خوف رهيب...
إنك تترك عالمك القديم الآمن المريح، الذي تعوّدتَ عليه واتّكلتَ عليه...
فأتى الألم والصريخ...
هذا الألم يشبه ما يشعر به الطفل الصغير عندما يغادر رحم أمه... يشبه ألم الطير عندما يخرج من البيضة...
ويشبه ألمه عندما يحاول لأول مرة أن يفردَ الجناح ويطير على التيسير....
ستشعر بوَخزة ونَخزة في القلب... وخوف وقلق في الفكر...
خوفٌ من المجهول واستفقاد لأمان المعلوم...
المجهول غير مضمون ولا مأمون...
ولأن عملية التحويل هنا تحدث من حالة النفْس إلى حال اللانفْس... إلى ذوبان النفس والذات والكيان...
لهذا تجد أن المعاناة تصل إلى أعماق الوجدان...
لكن.... لا يمكنك الحصول على المحصول دون عذابٍ على الأصول... الكرب يسبق الفرَج...
ودائماً إذا أراد الذهبُ أن يذهب إلى النقاء والصفاء يجب أن يمرّ في وهج النار الحامية.......
والحب أشد النار والنيران وأسطع النور والأنوار....
بسبب ألم الحب بقيَ ملايين الناس يعيشون أو يموتون حياةً خالية من أي ذرة حب...
لا تعتقد أنهم مرتاحون... بل هم أيضاً يعانون... لكن معاناتهم عقيمة دون قيمة...
معاناة الحب فيها معاني واختبارات وليست عقيمة لأن فيها أعظم جوهرة وأغلى قيمة...
معاناةالحب فيها إبداع الخلق والولادة في كل لحظة.... توصلك إلى مستويات أعلى من الوعي واليقظة...
المعاناة دون حب هي هدر وتبذير لا يقودك إلى أي مصير... تُبقيك تدور وتدور في حلقة مفرغة ويستمر الشخير.....
الإنسان الخالي من الحب مهووس ونرجسيّ ومُغلق على نفسه...
لا يعرف إلا نفسه... ولكن كم يستطيع أن يعرف نفسه إذا لم يكن قد عرف الآخر؟
الآخر هو فقط الذي يمكن أن يعكس نفسَك إلى نفسِك مثل المرآة...
لن تعرف نفسك أبداً دون معرفة الآخَر للآخِر...
الحب أساسي جداً لمعرفة النفس أيضاً... إن الذي لم يعرف شخصاً آخر في عمق بحر الحبوبقوّة العشق والهيام...
في نشوة مطلقة سامية من الهوى والغرام... لن يكون قادراً على معرفة مَن هو...
لأنه فقدَ المرآة التي تُريه انعكاس نفسه وروحه... وبقي يعيش في عالم الأحلام والأوهام...
العلاقة مع الآخر هي مرآة.... وكلما كان الحب أنقى وأعلى وأقوى، كانت المرآة أفضل وأنظف وأوضح...
لكن الحب النقيّ الصادق يتطلّب منك أن تكون منفتحاً... أن تكون ليناً وهشّاً أمام رياحه العاتية...
عليك أن ترمي دروعك وأسلحتك وهذا مؤلم وأليم في الصميم...
عليك أن تطرد الحراس الذين يحرسونك ليل نهار...
عليك أن توقف فكرك وحساباته وتحليلاته والأفكار...
عليك أن تُغامر وتُخاطر وأن تعيش بخطورة مذعورة...
وهنا يستطيع الآخر أن يؤذيك، ولهذا هناك خوف من الاستسلام والتسليم للحب...
ويستطيع الآخر أن يرفضك أنت وحبك، وهذه خوف عظيم من خوض غِمار الحب...
انعكاس نفسك الذي ستجده في الآخر قد يكون فظيعاً وبشعاً...
لهذا ينبع القلق ويقول لك: اهرب فوراً وتجنّب المرآة!
لكنك يا صديقي بهروبك من المرآة لن تصير أجمل.......
بهروبك من هذه الحالة لن تنمو وتسمو فوق هذا الاختبار...
لذلك من الضروري قبول التحدّي، وإنْ خِفتُم من شيء فادخلوا فيه...
على المرء أن يبدأ بالحب... لأنه الخطوة الأولى إلى الرب...
ولا يمكنك تجاوز أول خطوة وإكمال الدرب...
هؤلاء الهاربين بالملايين من الحب والحنين... لن يصلوا إلى الله نبع الحب الأكبر ونور العالمين...
الحب أساسي وضروري جداً... لأنك لن تدرك اكتمالك وجمالك إلا إذا شعّلكَ وولّعكَ حضور الآخر بالنور....
إلا إذا نميَ وقويَ حضورك وسطعَ نورك بلقاء الآخر، فخرجتَ من نرجسيّتك وانطوائك وتقوقعك....
من غرفتك وزنزانتك المغلقة إلى السماء الفسيحة المطلقة....
الحب سماء واسعة وشاسعة... عندما تُحبّ، ستفرُد جناحيك وتطير... لكن طبعاً السماء اللامحدودة مخيفة وممدودة....
وأن ترمي "الأنا" عندك أمرٌ مؤلم جداً.... لأننا جميعاً تعلّمنا وعُلّمنا أن نُغذّي الأنا ونُنمّيها...
حتى صِرنا نعتقدها الكنز الوحيد الفريد... وكنّا ولا نزال نحميها ونزيّنها... نصقلها ونلمّعها...
وعندما يأتيالحب ويطرق الباب... شو يا أحباب؟؟؟
كل ما يلزم للوقوع والارتفاع في الحب... هو أن تضع الأنا على جنب...
وهذا بالتأكيد مؤلم ويجرح الشخصية والهيبة والكرامة ويكسر الرأس...
هذه الأنا المستفحلة كالسرطان هي نتاج عملك وكل حياتك ودراستك ومنصبك وشهاداتك... هذا كل ما صنعتَه بذاتك...
هذه "الأنا" البشعة... أي فكرة: "أنا منفصل ومفصول ومعزول عن الوجود"...
هذه الفكرة بشعة لأنها غير حقيقية... فكرة مزيّفة وهميّة...
لكن كل مجتمعاتنا موجودة ومبنيّة على هذه الفكرة الغبيّة:
أن الشخص هو شخص، لا حضور ونور.... ونسينا أنتم نور العالم... نور من نور....
الحقيقة تقول أنه لا يوجد أي شخص في كل هذا العالَم!!!
هناك فقط حضور هائم منثور كالعطور...
وجود ونور السماوات والأرض والعوالم....
أنت غير موجود.... بل أنت وجود...
لا يوجد أنا مفصولة عن الكون بحدود...
أنت جزء من الكون والكون جزء منك... وانطوى فيك العالم الأكبر....
الكون يتنفّس من خلالك... وينبض في قلبك وأوصالك...
الحب يعطيك أول تجربة من التناغم مع شيء مختلف عن الأنا التي فيك...
الحب يعطيك أول درس ويعلّمك أنك تستطيع الرقص والانسجام مع شخص آخر... مع كائن جديد لم يكن أبداً جزءاً من "الأنا"....
إذا كنتَ واستطعتَ أن تتناغم وتترافق مع امرأة.... مع رجل... مع صديق...
إذا تناغمتَ مع ولدك أو مع أمك... لماذا لا يمكنك التناغم مع كل البشر؟
وإذا كان التناغم مع شخص واحد يعطي كل هذه الغبطة والفرح...
فماذا سينتج من تناغمك مع كل إنسان؟
وإذا استطعتَ أن تتناغم مع كل الناس... فلماذا لا تستطيع أن تتناغم مع الحيوانات والطير والأشجار؟
عندها خطوة ستقود إلى خطوة.... والخطوة تُوصل إلى الجَلوة....
الحب سلّم.... يبدأ بشخص واحد وينتهي بالأحد الواحد...
الحب هو البداية.... والله هو النهاية...
الخوف من الحب ومن آلامه المُتعاظمة سيُبقيك مسجوناً في زنزانة مظلمة... وهذا هو الإنسان الحديث المسجون في الظلام والحديد...
النرجسيّة هي الهاجس الأعظم للفكر الحديث الغير واعي... والهاجس يجلب عدة هواجس ومشاكل دون معنى ودون داعي....
هناك مشاكل فيها إبداع واكتشاف وكَشف... بلاء وإشارة وجَلاء... لأنها تقودك إلى وَعي أعلى وأسمى...
وهناك مشاكل لا تقودك إلى أي مكان... بل ببساطة تُبقيكَ مربوطاً ومحدوداً في حيرتك وتشويشك الذي تحمله معك من زمان...
الحب يصنع المشاكل... الحب أبو المشاكل!! ومِن الحب ما قَتَل....
تستطيع تجنّب تلك المشاكل بالهَرب من درب الحب...
لكن هذه المشاكل أساسية وضرورية جداً للحياة والممات...
عليك أن تواجهها وتلاقيها ملاقاة... عليك أن تعيشها لتخترقها ثم تتجاوزها فتكتشف المكافآت...
ودائماً طريق التجاوز يمرّ خلال المشكلة ولا يقفز فوقها هارباً....
الحب هو الشيء الوحيد الحقيقي في الحياة... الوحيد الذي يستحق منك الاستحقاق...
وما عداه كل الأشياء ثانوية قليلة الأهمية... إذا كانت تساعد الحب فلا بأس منها وعليها... كل أمور الحياة هي مجرد أدوات...
كلها لخدمة الحب الذي هو نهاية بحدّ ذاته وبداية اللانهاية... فلا تهتم بأي ألم، وادخل في الحب وعالم الأحباب...
إذا لم تدخل في الحب، كما قرر ملايين الناس، ستبقى معلّقاً مربوطاً بنفسك...
ولن تكون حياتك رحلة حج ونمو وعطر.... لن تكون حياتك نهراً يسير إلى البحر...
بل ستكون بِركة ومستنقعاً راكداً ونتناً، وقريباً لن يبقى فيها إلا الوسخ والوحل.
لكي يبقى المرء نظيفاً، عليه أن يستمرّ وينهُر ويتدفق باستمرار....
وهذا هو النهر الحي المتدفق أبداً.... وجريانه هذا يُبقيه عُذريّاً طاهراً اليوم وغداً...
كل العاشقين عُذريّين بتوليّين أنقياء وسيبقون على ذلك الصفاء...
أما الناس الذين لا يُحبّون، لا يستطيعون البقاء في الطهارة والنقاء...
عاجلاً قبل آجلاً سيصبحون هامدين جامدين... لا يوجد أي مكان يذهبون إليه... فتتحوّل حياتهم إلى موت وأنين...
هذه هي حياة الإنسان الحديث المسكين....
وبسبب هذا نجد أن كل أنواع العُصاب والاكتئاب والأمراض النفسية وأنواع الجنون أصبحت واسعة الانتشار والدمار...
الأمراض النفسية صارت تنتشر مثل الأوبئة المُعدية... قديماً من النادر أن تجد أحداً مريضاً نفسياً... الآن من النادر أن تجد أحداً سليماً نفسياً!!! وتحوّلت الأرض بكاملها إلى مشفى مجانين ويا ربّ تعين....
البشرية كلها تُعاني نوعاً من مرض العُصاب والأعصاب... يأتي من انغلاقك وجمودك النرجسيّ مع حالك....
كل شخص عالق بأوهامه الخاصة به، ويظنّ أن له نفساً منفصلة وهكذا يجنّ الناس من أول أساس...
وهذا الجنون تافه بلا معنى ولا فنون ولا ولادة ولا سعادة طيلة الحياة... أو يبدأ الناس بالانتحار...
وتلك الانتحارات أيضاً خالية من المضمون والمعنى يا مصون...
وقد لا تنتحر بشُربك للسمّ أو القفز من أعلى السطح أو إطلاق الرصاص على نفسك...
لكنك تستطيع الانتحار ببطء شديد... وهذا ما يحدث ونراه منتشراً على كل صعيد...
قليل من الناس ينتحرون بسرعة ومباشرة... لكن الأكثرية قرروا الانتحار البطيء غير الجريء...
يموتون درجةً درجة، من خلال الغذاء السيئ والتدخين والإرهاق وإلى ما هنالك من أساليب الانتحار بالتقسيط...
وأصبح الميل للانتحار منتشراً في كل الكون ويُهدد في كل لحظة بالدمار والانفجار.
هذا أسلوب للموت لا للحياة... والسبب الأساسي لهذا هو نسياننا للغة الحب.... أفلا تتذكّرون؟.....
ولم تعد عندنا الشجاعة الكافية لخوض المغامرة والمخاطرة التي تُدعى: الحب.....
ولذلك...... تجد أن الناس مهتمّون ومشغولون بالجنس...
لأن الجنس ليس مخاطرة... شيء قصير مؤقت لا يأخذ منك انشغال البال والتورّط وتخربط الأحوال...
الحب انشغال واهتمام والتزام... شيء غير مؤقت... حالما تنمو جذوره يمكن أن يستمر إلى الأبد...
طيلة فترة الحياة وأبعد حتى من لحظة الممات...
الحب يحتاج إلى المودّة والألفة والتقارب والحميميّة...
فقط عندما تكون في وِدّ وقُرب من الآخر يمكنه أن يصبح مرآةً لك، لترى صورتكَ واضحة ونقيّة....
عندما تلتقي جنسياً وغريزياً مع الرجل أو مع المرأة، لا تكون قد التقيتَ أبداً...
بل في الواقع تكون قد هربتَ متجنّباً روح الشخص الآخر... لقد استخدمتَ جسد الآخر وهرَبت...
والآخر استخدمَ جسدَك وهرَب...
بهذا لن تتآلفَ وتقتربَ منه ولن يبوح لك بوجهه الحقيقي وروحه وأسراره الأصلية الأصيلة....
الحب أعظم الألغاز والألغام والأسرار والأنوار...
مؤلم... لكن لا تتجنّبه...
إذا تفاديتَه تكون قد خسرتَ أعظم فرصة للنمو....
فادخُل فيه... في معاناته اللذيذة... من خلال المعاناة تأتي أعظم سعادة ونشوة في الحياة...
نعم... هناك آلام شديدة... مثل غصّة الموت... لأن عليك أن تموتَ
كـ "أنا" لتستطيع أن تُبعَث وتُولد من جديد ويحيا الله فيك وتحيا أنت
في الله مع الله وبالله...
والحب سيعطيك أول مذاق وتذوّق للحكمة والاستنارة....
الحب سيعطيك أول إثبات وإشارة بأن الحياة ليست دون معنى ومغزى... إن الناس القائلين بأن الحياة دون معنى هو هؤلاء الذين لم يعرفوا الحب والمغنى... وكل ما يقولونه يدلّ على أن الحبمفقود من حياتهم...
اسمح للألم واسمح للمعاناة بالقدوم والظهور....
اعبُر عبرَ الليلة المظلمة وستصل إلى شروق النور...
دائماً تُولد الشمس وتتفجّر من رحم الليل المظلم...
الحب أعظم شيء تتعلّمه في الحياة...
إنه أقدس قداسة وأطهر طهارة...
تستطيع نسيان الله، تلك مجرد كلمة مكونة من أربعة حروف وقد لا تعني لك شيئاً حالياً... تستطيع نسيان العبادات والصلاة لأنها مجرد معتقدات وتقاليد متنوّعة فرضها الآخرون عليك....
الحب هو طريق القلب إلى الربّ.... هو الصلاة والصّلة الطبيعية الفطريّة المولودة معك دون أن يفرضها عليك أحد...
الحب هو الله الحقيقي... الله محبة والمحبة هي الله... وليس إله رجال الأديان واللاهوت الذين صنعوه على فكرهم وهواهم،
إله البوذيين أو المسيحيين أو الهندوسيين أو غيرهم من الثلاثمائة دين...
الحب وسيلة أصيلة... طريقة لقتلك كفردٍ منفصل مستقلّ، ولوَصلك بالصَّمَد الخالد المستمرّ...
أنت الآن قطرة ماء... ادخُل في الفناء وتحوّل إلى محيط....
لكن عليك في البداية أن تدخل من باب الحب....
وطبعاً عندما تبدأ قطرة الماء بالتبخّر والتلاشي والفناء من أجل اللقاء... وعندما يكون المرء قد عاش طيلة حياته كقطرة...
سيأتي ألم عظيم... لأنه كان يفكر:
"أنا قطرة ماء مميّزة في إناء مميّز وفاخر... والآن أنا أموت وكل هذا سيزول ويذوب"....
لا تخف أبداً فأنت لا تموت....
مجرّد هذا الوهم والهمّ يموت في صمت وسكوت...
لقد أصبحتَ مُقيّداً محدوداً بالوَهم...
لدرجة كبيرة تعتقدها حقيقة...
لكن الوهم لا يزال وهم....
فقط عندما تختفي منك الأحلام والأوهام....
سترى مَن أنت ويدخل إلى قلبك النور والسلام....
هذا الكَشف الإلهي النُّوارني والبَوح المشروح...
سيوصلك إلى أعلى قمم الاحتفال وسعادة الروح...